الاثنين، نوفمبر 21، 2011

مع البائعة .. في المتجر ...

    جبلت النفس على تذوق الجمال ...
لكن الإنسان لنسيه سرعان ما ينسيه الإلف ذاك الإحساس الجميل 
كالشمس الرائعة ... 
وإشراقها الخلاب 
وغروبها الآخاذ ...
    لا يكاد يبهر الإنسان ... لتكرر تلك الآية كل يوم صبحا ومساء 
ومع ذلك فقد يقدح في الحس شعور لسبب أو بلا سبب يوقظ فيه ما غفا من أحاسيس فينتبه كأنما بعثت فيه الحياة للتو ... أو كأنما ذاك الجمال بزغ فجأة ... أو كأنه يرى المشهد لأول مرة في عمره !!!

    هذا ما حدث معي اليوم ...ولم يكن بودي أن أسرد الحادثة أوأذيعها في الورى لحاجة في نفسي !!
    لكن مع ذلك سأروي ما كان .. 

... لا يغيب عن خاطري ولا عن خاطر أحد من المسلمين عظمة هذا الدين وروعته ، وجمال مبادئه ، ورقي تربيته لأتباعه ...
   لكن لأننا ولدنا مسلمين ولآباء مسلمين - ولله الحمد كله والثناء الحسن - لا نكاد نرى عظمته وشموخ هامته !!! 
    أصبحنا نمارس الإسلام بعفوية كما نعيش الحياة ...نمارسه - ولله الحمد - بلا تكلف أو تفكير !!!

    أطلت المقدمة فسامحوني : 
    كنت اليوم في متجر أتبضع في ذلك البلد البعيد ...
وقفت مع المصطفين في الطابور ثم دفعت المبلغ باستخدام بطاقة المصرف دون أنتبه أو أدقق ... شكرت البائعة ومضيت في طريقي عائدة إلى البيت ...
    ولم يكن من عادتي أن أراجع ( الفاتورة ) أو أدقق فيها بعد الشراء والدفع ...
   لكن هذه المرة شعور خفي لا أعلم له سببا ألح علي أن أنظر في ( الفاتورة ) ...
   حاولت تجاهل ذلك الشعور خوفا من تأخري عن البيت ومشاغل البيت التي تنتظرني ...
   لكن ذلك المطلب زاد إلحاحا ... - وهذه المشاعر والهواجس لم تستغرق من وقتي إلا لحظات أو دقائق - 
   نظرت في الفاتورة فوجدت اختلافا كبيرا في المبلغ لصالحي !!! 
   كان سعر مشترواتي ( ١٢٠ باوندا ) والبائعة سحبت من حسابي (٤٠ باوندا )فقط !!!
   عدت مسرعة إلى المتجر ورحت أتصفح وجوه البائعات ( لأنني للأسف الشديد بليت بذاكرة ضعيفة كثيرة النسيان سريعة النسيان ) أهذه التي !! بل هذه !!
   ثم الحمد لله أدركتها !!
وكانت مشغولة مع زبائن آخرين !!
استأذنتها لأكلمها !! لكنها اعتذرت لأنها مشغولة !!
ظللت أرقبها و انتظرتها حتى انتهت ثم توجهت لها مسرعة .. قلت لها : عفوا عزيزتي ! ربما هنا خطأ في فاتورتي !!
  لم ترحب بهذه الملاحظة ( الإضافية ).. واستوضحتني متثاقلة ...
   قلت لها : حاسبتيني على اعتبار أن ما علي هو ( ٤٠ باوندا ) وهذا خطأ !!! حسابكم ( ١٢٠ باوندا )..
   صرخت : هل يعقل ؟؟
   قدمت لها ( الفاتورة ) !!! فارتعدت واصفر وجهها !! واحتضنتني بقوة وقالت :كم أنت رائعة سيدتي !!
ما أعظم أمانتك ؟؟؟
أنا عاجزة عن شكرك !!
   قلت لها : شكري أن تأخذي حقكم كاملا !!
   قدمت لها بطاقتي المصرفية ...!!!
   كررت بامتنان شديد : ما أعظم أمانتك !!
   أجبتها بغبطة ما بعدها غبطة ... وبفخر ما فوقه فخر .. وبعز تتقاصر الثريا عن بلوغه : 
عزيزتي أنا لست رائعة !!
ولست عظيمة ... ولست أمينة !!!
   إنه ديني الذي علمني ورباني !!! 
الإسلام يا عزيزتي لا يسمح أبدا للمسلمين أي يأخذوا ما ليس من حقهم ولو قدر منديل ورقي واحد !!!
   فغرت فاها ساكتة !!!
  ودعتها شاكرة لها داعية لها بقضاء يوم سعيد !!!
  احتضنتني ثانية بقوة وتمتمت بكلمة شكر عميق !!
قالت لي مبتسمة ممازحة : لا بد أن أعود لمقاعد الدراسة لأراجع دروس الحساب !!
قلت لها : لا عليك عزيزتي !! 
ما دمنا بشرا !!!
وما دمنا نعمل ... فالخطأ منا وارد !!!
    
    غادرتها وغادرت المتجر .... ووالله الذي لا إله إلا هو لأني أشد منها فرحا وسعادة ...
سعادة بهذا الدين ...
وغبطة بهذه الملة ...
شعور علوي لا أستطيع له وصفا ولا تعبيرا ...
      
   وفي هذا اليوم على وجه الخصوص ... تمر بلدي بظرف عصيب ... فرفعت كفي مبتهلة ابتهال الذين أطبق عليهم الغار :
  اللهم كما هديتني ووفقتني لهذا وربيتي بهذا الدين ... بلا حول مني له ولا قوة ...
    اللهم إن كنت تعلم أني بهذا إنما ابتغيت جهك الكريم ... فاللهم أتوسل إليك :بصنيعي هذا الذي هو منك وإليك أن تصلح أحوال بلدي 
وبلاد المسلمين أجمعين !!!
وأن تصلح أحوال جميع المسلمين ...

     اللهم آمين ...
     آمين ... 
     آمين ...!!!
بكرم منك وفضل ومنة !!!

الثلاثاء، نوفمبر 15، 2011

في سيارة الأجرة ...

في سيارة الأجرة  في بلد مطرها غزير وغيمها كثيف ركبنا سيارة الأجرة ... وكان الجو مطيرا كالمعتاد ... كانت السيدة ( سائقة السيارة ) تتأفف متذمرة وتشكو إلي سوء الجو ... سألتها لأخفف من ضجرها : ألهذه الحد يزعجك المطر ...؟؟!! ظننت أنه بحكم كونك من هذا البلد فقد اعتدت  على أحواله وتكيفت معها !!! قالت : المطر مزعج ... يمنعنا من الاستمتاع برياضة قيادة العجلات الهوائية ، والجري... والتنس في الهواء الطلق ....و.... و....و..... و أشياء أخرى كثيرة !!!  أجبتها ممازحة : إذن تتعطل كل النشاطات إلا نشاط رفع الشمسيات !!!! قالت : هو كما تقولين !!!! غيرت دفة الحديث وسألتها : هل تتابعين الأخبار والأحداث حول العالم ؟؟ قالت : لا أهتم كثيرا بالأخبار إلا إن كان حدث يفرض نفسه ... سألتها : هل رأيت ما يعاني الناس في الصومال ؟؟؟ قالت : آه !!! تقصدين المجاعة !!! أمر مؤلم جدا ... إنني حقيقة أشفق على هؤلاء البشر !!! قلت لمحدثتي : إن انحباس المطر عن بلادهم هو السبب الرئيسي للمجاعة !! صرخت : ألهذه الدرجة !!! أجبتها : نعم ... ودعيني أخبرك عن بلدي ...  في بلدي الشمس دائمة الإشراق !!! تبسمت وقالت : أمر رائع ... أليس كذلك !! أجبتها : نعم الشمس رائعة ... لكن في بلد لا أنهار فيه ... ولا ينابيع ... والأمطار شحيحة جدا ... فربما يطوى العام والعامان ... ولا يفرح الناس بقطرة مطر واحدة !!! تساءلت : إذا كيف تعيشون !!! قلت لها : منذ عهد أبي وجدي كانت بلادنا تستورد الماء ... علقت كأنها لم تصدق ما أقول : تستوردونه لكل حاجاتكم !!!!! أجبتها مؤكدة : نعم ! لكل استعمالاتنا ... إلا الاستعمالات التي يصلح لها ماء البحر !!! ... هذا كان في زمن أبي وجدي ... لكن اليوم بلادنا ( تصنع ) الماء ... فنحن وبكل الفخر أكبر بلد في ( تصنيع ) الماء !!!!  سألتني باستغراب : كيف !!! أجبتها : نحول  ماء البحر المالح إلى عذب صالح للشرب ولغير الشرب !!! قالت : لاشك أنه مشروع جبار !!! قلت لها : نعم إنه مشروع جبار !!! ومكلف ، لكنه ضروري ، ويمس حياة كل من يسكن بلادي ... بل وكل من يمر بها مجرد المرور !!! .... ثم تلفت أقلب نظري في الاخضرار الذي يسعد النظر من حولنا وقلت لمرافقتي : أينما تتلفتين في بلدكم الجميل هذا لا يغيب عن عينيك اللون الأخضر المزدان بألوان الزهر والثمار ... ... أتعلمين أينما نتلفت نحن في بلادي فأعيننا تتجول في اللون الصحراوي الأصفر بدرجاته ... ولفرط حبنا للزرع والزراعة فإننا لأجل أن ننعم بزراعة بقعة صغيرة خضراء نبذل لذلك أموالا كثيرة ... ووقتا طويلا .. وجهدا مضنيا ... لأن حرارة الشمس تحرقه ... الجفاف يلهبه ... والهواء الحارق إن هب عليه لا يلطفه ... بل يجففه وربما بالتراب يردمه !!! قالت : لاشك أن الأمر صعب جدا !!! أجبتها : ومع كل هذا ؛ فقارورة الماء سعرها في بلادي أرخص بكثير من ثمن مثلها هنا في هذا البلد المطير ذي الأنهار والينابيع !!! تساءلت مندهشة : أحقا ما تقولين ؟؟ أجبتها ... نعم ... !! لأهمية الماء لكل جوانب الحياة ، فالماء مدعوم من قبل الحكومة ليتيسر للجميع الحصول على احتياجاتهم منه !! الماء - كما تعلمين - عصب الحياة !!! ردت موافقة الكلامي : نعم ... لا أدري كيف تكون حياة بل ماء ... !!! قلت لها : بل لا حياة بلا ماء ، و في ( كتابنا المقدس ) يقول ربنا - عز وجل - : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )  صاحت مؤيدة : نعم ! أظن أن كل شيء يحتاج للماء ... قلت لها : بل لا غنى له عن الماء !!! ردت بحماس : حقيقة كبيرة ... ومعلومة عظيمة ... تثير التأمل ... أعدك أني سأبحث في هذا الموضوع !!! أجبتها ... وعد جميل ... يدعوك في النهاية أن تشكري الله على نعمة المطر !!!  ضحكت بغبطة وقالت : شكرا لك مرافقتي !!! هذه المرة الأولى التي أرى فيها الغيوم الرمادية الداكنة بلون مشرق بهيج !!!