الثلاثاء، أكتوبر 15، 2013


... انقضت أعظم أيام الدنيا ...

ولازالت بقية من الأشهر الحُرُم ...

الأشهر الحرم الأربعة
وهي التي تمثل ثلث السنة ...

 
حُرُم ...
 
حُرُم ...
...

 
تساءلت في نفسي ... وتدافعت الخواطر  ....
شهر رمضان .... على عظمته ... وجلاله ... وتميزه ... وبهائه .... ليس من الأشهر الحرم  !!!!
في رمضان ... من الجلال والجمال والعظمة والنفحات والاحتفاء ما لا يخفى علينا !!!
حافل بالعبادات العظيمة ... فرضها وسنتها  !!!

الأشهر ( حُرُم ) .... وليس فيها عبادة مشاهدة مفروضة فرضا عدا الحج - وهو بمناسكه العظيمة لا يتعدى أسبوعا واحدا  - !!!!

 
أمر غريب  !!!

جلت بخاطري وساءلت نفسي : لو أن الله - سبحانه - فرض علينا عبادة مخصوصة محسوسة تستغرق هذه الأشهر ... !!!

  ...
سبحان الله .... أشهر عظيمة .... لكن العبادة المفروضة فيها نفس العبادة المفروضة في سائر أيام العام - خلا الحج  - !!!!

ساءلت نفسي : أي عبادة نتعبد الله بها ونتقرب إليه - سبحانه - في هذه الأشهر الكريمة ؟
( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) ...
هل هذه الآية تحمل تكليفا بعبادة ؟
وهل النهي فيها فريضة ؟

وهل العبادة التي فرضت علينا في هذه الأيام هي عبادة تعظيمها فقط   !!!

فهل التعظيم عبادة  ... !!!
وأي عبادة هذه التي شرعت ممارستُها بلا مظهر مشاهد ؟ و بقوة وتركيز طيلة أربعة أشهر هي ثلث السنة ... ( والثلث كثير ) !!!
!!!

ما معنى التعظيم هذا ؟؟
وكيف نعظمها ؟؟؟
أعني : كيف نمارس عبادة التعظيم !!!

أعرف كيف أتوضأ و كيف أصلي ... تعلمتها منذ الطفولة
وأعرف كيف أزكي
وكيف أحج وأعتمر ...
وإن جهلت من ذلك شيئا استفتي فأفتَىٰ ...

لكن : كيف أعظم أياماً وأشهراً لا تختلف في صورتها وشكلها وعباداتي فيها عن بقية العام وسائر السنة  !!!

حقا وصدقا أريد أن أمتثل أمر ربي فأحقق هذه العبادة ...
لكني بصدق أُسائِل نفسي بألم : كيف  !!!
كيف ... أقوم بهذه العبادة ؟؟
مشفقة على نفسي أن أظلمها بجهلي  !!!
( فلا تظلموا فيهن أنفسكم ) - التوبة ٣٦ -
راغبة ببلوغ ( ذلك الدين القيم )  !!!

هتفت بخفاء وعجز وتضرع :
( ربِّ أعنِّي على ذكرك وشكرك .... وحسن عبادتك .... )

ووجدتني ألحُّ :
( ... وحسن عبادتك
وحسن عبادتك ....
وحسن عبادتك .... )

فتحقق في نفسي بعض معرفة - ما أراه إلا كرما وفضلا من الله فله الحمد وله الثناء الحسن - :
وقع في روعي أن الله - تبارك وتعالى - بكرمه وحكمته - سبحانه - لم يفرض علينا - أمة نبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - في الأشهر الحرم عبادة بدنية أو مالية غير العبادات التي فرضها علينا عامة ... لكنه - سبحانه - أراد من هذه الأمة - في هذه الأشهر عبادة أخرى ... عبادة - خفية جدا ... ثقيلة - ... عبادة قلبية محضة  !!!!
نصلي في الأشهر الحرم كصلاتنا في سائر العام ... وتعظيم شعيرة الصلاة في كل حين لازمة ... لكنها في الأشهر الحرم ألزم  ...

نتصدق - أو ربما نزكي في الأشهر الحرم كصدقاتنا أو زكاتنا في أي يوم من العام ... وتعظيم شعيرة الصدقة والزكاة لازمة ... لكنها في الأشهر الحرم ألزم ...

نؤدي فروضا أو سننا في الأشهر الحرم كما نؤديها في سائر العام ... وتعظيم شعيرة الفرائض والسنن لازمة ... لكنها في الأشهر الحرم ألزم  ...

نجتهد في امتثال أمر ربنا بالحجاب أو بالأمانة أو الصدق ... أو غيرها في الأشهر الحرم كفعلنا في سائر العام ... وتعظيم هذه الشعائر في كل حين لازمة ... لكنها في الأشهر الحرم ألزم ...

...
 نتجافى عن المعصية - صغيرها وكبيرها - في كل العام ... لكننا أمرنا أن ننظر للمعصية في الأشهر الحرم بمنظار يضخمها يغلظها يعظم شدتها يرعبنا من الدنو منها ....

إذا فالعبادة التي فرض علينا أداؤها في ثلث كامل من العام هي عباد القلب - لا القالب -
عبادة الباطن لا الظاهر ...
عبادة المراقبة ...
لتكون شحنة للثلثين الباقيين من العام ...
( لتقوى ) القلوب ...و ( لتتقوى ) على طاعة ربها كما يحب - سبحانه - لها :
( ... فإنها من تقوى القلوب )
( فهو خير له عند ربه )
  ...
ولأنها عبادة ثقيلة ... جُعلت لها أيام طويلة ... ليس للبدن فيها من عمل تعبدي - إضافي - بل التكليف كل التكليف فيها للقلب ... وما يداخله من شعور
لأن القلب هو :
( ملك الملَكات )  ...
( وإمام الجوارح )  ...
( وهو مناط التقوى )

...