الثلاثاء، نوفمبر 15، 2011

في سيارة الأجرة ...

في سيارة الأجرة  في بلد مطرها غزير وغيمها كثيف ركبنا سيارة الأجرة ... وكان الجو مطيرا كالمعتاد ... كانت السيدة ( سائقة السيارة ) تتأفف متذمرة وتشكو إلي سوء الجو ... سألتها لأخفف من ضجرها : ألهذه الحد يزعجك المطر ...؟؟!! ظننت أنه بحكم كونك من هذا البلد فقد اعتدت  على أحواله وتكيفت معها !!! قالت : المطر مزعج ... يمنعنا من الاستمتاع برياضة قيادة العجلات الهوائية ، والجري... والتنس في الهواء الطلق ....و.... و....و..... و أشياء أخرى كثيرة !!!  أجبتها ممازحة : إذن تتعطل كل النشاطات إلا نشاط رفع الشمسيات !!!! قالت : هو كما تقولين !!!! غيرت دفة الحديث وسألتها : هل تتابعين الأخبار والأحداث حول العالم ؟؟ قالت : لا أهتم كثيرا بالأخبار إلا إن كان حدث يفرض نفسه ... سألتها : هل رأيت ما يعاني الناس في الصومال ؟؟؟ قالت : آه !!! تقصدين المجاعة !!! أمر مؤلم جدا ... إنني حقيقة أشفق على هؤلاء البشر !!! قلت لمحدثتي : إن انحباس المطر عن بلادهم هو السبب الرئيسي للمجاعة !! صرخت : ألهذه الدرجة !!! أجبتها : نعم ... ودعيني أخبرك عن بلدي ...  في بلدي الشمس دائمة الإشراق !!! تبسمت وقالت : أمر رائع ... أليس كذلك !! أجبتها : نعم الشمس رائعة ... لكن في بلد لا أنهار فيه ... ولا ينابيع ... والأمطار شحيحة جدا ... فربما يطوى العام والعامان ... ولا يفرح الناس بقطرة مطر واحدة !!! تساءلت : إذا كيف تعيشون !!! قلت لها : منذ عهد أبي وجدي كانت بلادنا تستورد الماء ... علقت كأنها لم تصدق ما أقول : تستوردونه لكل حاجاتكم !!!!! أجبتها مؤكدة : نعم ! لكل استعمالاتنا ... إلا الاستعمالات التي يصلح لها ماء البحر !!! ... هذا كان في زمن أبي وجدي ... لكن اليوم بلادنا ( تصنع ) الماء ... فنحن وبكل الفخر أكبر بلد في ( تصنيع ) الماء !!!!  سألتني باستغراب : كيف !!! أجبتها : نحول  ماء البحر المالح إلى عذب صالح للشرب ولغير الشرب !!! قالت : لاشك أنه مشروع جبار !!! قلت لها : نعم إنه مشروع جبار !!! ومكلف ، لكنه ضروري ، ويمس حياة كل من يسكن بلادي ... بل وكل من يمر بها مجرد المرور !!! .... ثم تلفت أقلب نظري في الاخضرار الذي يسعد النظر من حولنا وقلت لمرافقتي : أينما تتلفتين في بلدكم الجميل هذا لا يغيب عن عينيك اللون الأخضر المزدان بألوان الزهر والثمار ... ... أتعلمين أينما نتلفت نحن في بلادي فأعيننا تتجول في اللون الصحراوي الأصفر بدرجاته ... ولفرط حبنا للزرع والزراعة فإننا لأجل أن ننعم بزراعة بقعة صغيرة خضراء نبذل لذلك أموالا كثيرة ... ووقتا طويلا .. وجهدا مضنيا ... لأن حرارة الشمس تحرقه ... الجفاف يلهبه ... والهواء الحارق إن هب عليه لا يلطفه ... بل يجففه وربما بالتراب يردمه !!! قالت : لاشك أن الأمر صعب جدا !!! أجبتها : ومع كل هذا ؛ فقارورة الماء سعرها في بلادي أرخص بكثير من ثمن مثلها هنا في هذا البلد المطير ذي الأنهار والينابيع !!! تساءلت مندهشة : أحقا ما تقولين ؟؟ أجبتها ... نعم ... !! لأهمية الماء لكل جوانب الحياة ، فالماء مدعوم من قبل الحكومة ليتيسر للجميع الحصول على احتياجاتهم منه !! الماء - كما تعلمين - عصب الحياة !!! ردت موافقة الكلامي : نعم ... لا أدري كيف تكون حياة بل ماء ... !!! قلت لها : بل لا حياة بلا ماء ، و في ( كتابنا المقدس ) يقول ربنا - عز وجل - : ( وجعلنا من الماء كل شيء حي )  صاحت مؤيدة : نعم ! أظن أن كل شيء يحتاج للماء ... قلت لها : بل لا غنى له عن الماء !!! ردت بحماس : حقيقة كبيرة ... ومعلومة عظيمة ... تثير التأمل ... أعدك أني سأبحث في هذا الموضوع !!! أجبتها ... وعد جميل ... يدعوك في النهاية أن تشكري الله على نعمة المطر !!!  ضحكت بغبطة وقالت : شكرا لك مرافقتي !!! هذه المرة الأولى التي أرى فيها الغيوم الرمادية الداكنة بلون مشرق بهيج !!!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق