السبت، أغسطس 07، 2010

حقيبة في صندوق سيارة الأجرة

( 3 )

هذا جدك يا ولدي

قالت محدثتي :

أجلست ولدي إليّ يوما .. أحدثه عن جده لأبيه فقلت :

يحفظ الله – بكرمه وفضله – الأبناء بصلاح الآباء ... وبركة العمل الصالح - يا بني - تظهر في الأبناء ... ربما من الجد الأبعد ، وليس فقط الجد القريب ... وسأحكي لك يا ولدي بعضا مما عرفت من سيرة أجدادك القريبين ، لتجعله وساما يزهو على صدرك ، وتاجا يزين هام رأسك ، ونورا تستنير به في حياتك !!!

أمرنا أن نحب الصالحين ونقتفي آثارهم ، فالتشبه بالصالحين فلاح ... وأحسب صنيع أجدادك صنيع الصالحين - ولا أزكيهم على الله - ... وأدعو الله : أن لا يؤاخذهم بما نقول ، وأن يجعلهم خيرا مما نظن ، وأن يغفر لهم مالا نعلم !!

فقلب ناظريك ، ولدي في سيرة جدك ... فهذا جدك يا ولدي ...

*** *** ***

.. قبل نحو40 سنة كان جدك – رحمه الله – يسعى لطلب رزقه من قيادته لسيارة الأجرة التي يمتلكها ، فكان ينقل الناس من مكان إلى مكان ..

وفي رحلة من رحلاته هذه قام ، بتوصيل أناس أغراب من المطار إلى أحد الفنادق حيث محل إقامتهم .. بلغوا وجهتهم ترجلوا ، وأخذوا متاعهم من سيارة جدك ... وسلموا لجدك حقه ... تركهم وغادر داعيا لهم بطيب الإقامة ... ثم سار في طرقات البلاد متما رحلة البحث عن الرزق ...

وعند الظهيرة ... طاف على المدارس ليأخذ أبناءه وبنياته راجعا بهم إلى البيت

... وفي البيت ... مع قائم الظهيرة ... اكتشف أن في الصندوق الخلفي للسيارة حقيبة غريبة ... ظنها للوهلة الأولى أنها الحقيبة المدرسية لأحد أبنائه ... لكن لما فتحها تكشف له غير ذلك ... فهي ملأى بالنقود !!!

ولدي الغالي ... ما تظن أن جدك فاعل بهذا الكنز الذي أصبح بين يديه ، وفي صندوق سيارته ... وهو الرجل البسيط الذي يسعى لرزقه بسيارة أجرة ؟؟!!

مازحته إحدى النساء الزائرات في بيته قائلة : والله شيء رائع .... هذه الحقيبة وما فيها تكفي للسفر إلى لبنان !!!

لكنه بورعه الفطري ، غضب لهذا الكلام ، ولم يتحمل حتى مجرد المزاح فيه ، فالأمر يتعلق بالذمة ... ولا مجال هنا للمزاح فيها !!!

أعاد الحقيبة إلى السيارة مرة أخرى محفوظة بما فيها ... وعاد أدراجه يجوب سكك المدينة يتذكر من كان معه من الزبائن الذين أقلهم إلى أماكن شتى ...

وهو في رحلة البحث هذه ... تذكر أولئك الأغراب الذين أخذهم من المطار .... فسارع إلى الفندق الذي أوصلهم إليه ، فإذ هم في صالة الاستقبال ، في وضع قد أسندوا رؤوسهم على أكفهم ، بمنظر حسير كئيب ... ذاهلين عما حولهم ، يتفكرون في أمرهم بعدما عدموا كل أموالهم وهم في غربة بعيدين عن بلدهم في زمن لا يتمتع بالميزات والتسهيلات المصرفية المتوفرة في زماننا ...!!! أقبل عليهم حاملا إليهم حقيبتهم ... فلما رأوه انتفضوا نشوى كمن هب من كابوس ثقيل مرعب ... سلمهم الأمانة ... ثم غادر من حيث أتى ... لم يرتج بذلك إلا ما عند الله ... !!!!!

**** ***** ****

هناك تعليق واحد:

  1. حقًا الغنى غنى النفس..ولا يبقى الا العمل الصالح!
    عسى الله ان يرزقنا مما رزقه من ورع

    ردحذف