الثلاثاء، أغسطس 03، 2010

رثــــاء


مقالة كبيرة الأثر - منقولة -
مقالة بجريدة الراي الكويتية
كتب محمد العوضي
كانت آخر كلماته: «أنا مصلي العصْر... شوي وأكلمك» وانتهت المكالمة الهاتفية مع صديقه عبدالله العوضي، ثم جاء الخبر بعد دقائق لأصحابه وأهله بأن عمر الرفاعي توفي في حادث أليم. كان ذلك مساء يوم الأحد الماضي الموافق النصف من شعبان وعمره 22 عاماً.
هل يمكن أن يرجع أي واحدٍ منا بعد الوفاة ويعيش بعد أن صار تحت أطباق الثرى؟
إننا نستطيع العيش ثانيةً بسيرتنا الحسنة، وانجازاتنا المشرفة وعلاقاتنا الصادقة وسجايانا التي أحبها الناس فينا
قبل يوم من وفاته قال لصديقه عبدالله العوضي: أنا راض عن أهلي ومحبّ لهم، والآن ناوي أكتب خطتي الجديدة للمستقبل... وبعد وفاته وجدوا في أوراقه الخاصة قصاصة كتب عليها بخطه أنا الدكتور عمر الرفاعي... كان عنده طموح وهو لايزال طالباً في الجامعة، كيف لا يعيش «عمر» ثانية وقد غرس في كل بستان وردة للوفاء والمحبة، فوجئ أقرب الناس إليه عندما لاحظوا أن أكثر صفة ترددت على «النت» كلمة «قلبه طيب يحب الجميع»... ليس سهلاً أن يصفك بعد رحيلك عن الدنيا أكثر من (1000) شخص خلال ساعات بأنك صاحب «قلب طيب» في زمن كثر فيه قساة القلوب وغلاظ الأكبادْ وجُفاة الطباع ومنكرو الجميل

انه عاش ثانيةً في قلوب الأوفياء... كان منظراً خاشعاً من المعاني التي اقتنص احياءها والتذكير بها معنى الصحبة الخيّرة، واصدقاء الوفاء والاخاء... فما ان عم خبر وفاة «عمر»
حتى أعلن أصحابه
عبدالله العوضي وعلي العمر وعبدالله القصار أنهم سيجمعون قيمةً مالية وحددوا مقدارها لبناء مسجد وبئر ماء في افريقيا لعمر عن طريق لجنة العون المباشر وافطار صائم في الكويت وفتح حلقة قرآنية باسمه في المسجد الذي يصلي فيه ومسابقة باسمه في الجامعة... ولقد تم اكتمال المبلغ في غضون يوم أو يومين... انها الصحبة التي لا ترجو إلا نفع صاحبها في الدارين... فكم هو مخذول من لا يصادق إلا أصحاب المصالح الخاصة والقريبة وما زمالتهم إلا في حدود ما يكسبون. أخبرني شقيقه وحبيبه الأكبر محمد الرفاعي أن والدته تقول أخذه الله مني وأنا راضية عنه، ولقد رأيت صبر أبيه وذويه ورضاهم عن ولدهم... وكم كانت الصورة معبرة تلك التي التقطها له أحدهم وهو محشور في سيارته وقد فاضت روحه الى خالقه، وكانت يده اليمنى مقبوضةً واصبعه السبابة تشير بكلمة الشهادة والتوحيد لله رب العالمين وقد اخرج مصحفه من درج السيارة وسقط بجواره فهنيئاً لك هذه الخاتمة والله أرحم الراحمين وخالص العزاء لوالده الصديق الدكتور ابراهيم الرفاعي وسائر الأقرباء. عمر الرفاعي عاش بأخلاقه الكريمة في الدنيا وعاش بسيرته والعبرة التي رافقت وفاته في قلوب من شاهد الحدث أو سمعه أو قرأه والحمد لله رب العالمين عندما ترى اختلاط دموع الحلاق وبكاء بائع البوظة وأنين صاحب التاكسي وحسرات رجل الأمن والسلامة على شاب بهذا العمر... ما الذي خسروه من رحيله؟ انه ما أجمع عليه كل من يعرفه، طبعه الاجتماعي الرحيم وتواصله الدائم وابتسامته المشرقة التي لا تفارقه كما قال استاذه غانم النجار: بشوش... كان من صفاته التي أتعبته وأرهق نفسه انه لا يحب أن يخسر أحداً مهما كان، لذا كان ذا نفس لوامة حيث انه يكرر الاعتذار لأصحابه ومن يعرف اذا ما أحس انه قصر في حقهم أو بدر منه ما يمكن أن يؤذيهم... يعتذر... ثم يعتذر... ويكرر الاعتذار لدرجة ان يحس الآخر انه هو المذنب

كيف لا يكون حياً بيننا من كان يحب سماع مشاكل الناس وبهذا أدرك مفهوم العبادة الواسع حيث يتحول المجتمع إلى محراب للتعبد في اعانة الآخرين

عندما جاء رجل الاطفاء الذي أخرجه من السيارة المطحونة قال رأيت ملصقاً على زجاج سيارته بعنوان «حيّ في قلوبنا» وكانت تلك من أجل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بعد الاساءة الخبيثة الغربية ضد مقامه عليه الصلاة و السلام... لكن ما رأه الاطفائي قال: حتى عمر حيّ في قلوب الكثيرين كما رأيت وسمعت

هناك تعليق واحد:

  1. الناس هم شهداء الله في الارض .. فعسى الله ان يجعل قبره روضه من رياض الجنه.
    و نسأل الله حسن الخاتمه.. مقاله مؤثره.

    ردحذف