الأربعاء، أكتوبر 06، 2010

مغامرة

- 6-

مغامرة يستدعيها حب البقاء ...

منذ الأيام الأولى للغزو ... انقسم الناس ما بين مهاجر ... مرابط ... وهذه سنة الحياة .... منذ بدء الخليقة .. وحتى تقوم الساعة ... ما من مصيبة تصيب أرضا ... إلا ويخرج منها من يخرج ... ويبقى فيها من يبقى ...

... وفي كربتنا ... خرج أناس كثيرون وإن كان خروج الخارجين يشعر الباقين بنوع من الخذلان ...

ولمثل هذه المستجدات... ظهر شباب نذروا أنفسهم لتفريج كرب المكروبين ......ومن مثل هؤلاء الشباب ... كان شاب من دولة الإمارات ...جند نفسه جنديا مجهولا .. يتسلل داخلا إلى أرض المحنة ... ليخرج من يرغب في الخروج ... خدمة مجانية للناس ... وقد مارس هذه العملية تسعة وعشرين مرة .... وكان خاتمتها هي الرحلة التي تحمل الرقم ( 30 ) !!

... وكان لابد من موقف خلال مثل هذه المهمة ... !!

... وكان الموقف الأشد ... في الرحلة الأخيرة ... كأنما كان مسك الختام لمهمته ... كانت هذه الرحلة الأخيرة قبيل الحرب الجوية بأيام ...

تسلل صاحبنا - على عادته في تلك الأيام - داخلا البلاد خلسة ...

وبعدما تواعد مع الراغبين في الخروج ... اختار أن تكون رحلته ليلية ...

انطلق حاملا بسيارته عائلة من تلك العائلات النازحة عن وطنها ... وقرابة الساعة الثانية عشرة من منتصف ليلة من ليالي شهر كانون الأول ( ديسمبر) الباردة ... أوقفتهم نقطة سيطرة قبيل وصولهم المركز السعودي بقليل ...

لم تكن سيارة صاحبنا هي الوحيدة التي أوقفتها نقطة السيطرة ... لكنها كانت أول سيارة أوقفت ... وأوقفت بعدها سيارات كثيرة ...

أمر الرجال جميعا بتسليم مفاتيح سيارتهم ... الكل أعطى مفاتيح سيارته ... إلا صاحبنا ... فقد ترك المفتاح معلقا مكانه من السيارة ...!

هل كان عامدا ...؟!

هل كان ناسيا ...؟!

كيف لم ينتبه جنود السيطرة ..؟!

قدر لا يمكن رده .. ولا تفسيره .. ولا تعليله ..!!

.. أمر الجميع بالنزول ...

النساء والأطفال في جهة ... والرجال في الجهة الثانية ... لكن الفريقين يتراءيان ... أحد الرجال .. - لموقف ما - انفلتت أعصابه من عقالها ... ( فتلاسن ) مع الجنود منفعلا ... وحسم الموقف ببساطة ... بطلقة أردته قتيلا أمام الجميع !!!

... ظن صاحبنا أنهم جميعا ميتون لا محالة ...

تضرع داعيا من لا يخيب راجيه دعاه دعاء خفيا : ( اللهم إني أسألك الثبات وحسن الخاتمة ) ...

استأذن صاحبنا الضابط في صلاة ركعتين خفيفتين .. أذنوا له ... وهم أجهل الناس بما تفعل سهام الدعاء ...

وبينما هو في صلاته .. سمع عجيجا وضجيجا .. وصياحا .. و هياجا .. وتراكضا .. وتدافعا ...

سارع في ختم صلاته .. ليستبين الخبر ..!!!.. فإذا الفرج قد لاح لكنه فقط يطلب حسن التصرف !!!: كان الجنود قد حفروا خندقا لإخفاء الدبابة نهارا ... وفي الليل يتخذونه مبيتا اتقاء البرد القاري القارس ... وهم لا يدرون أنهم إنما حفروا قبرهم بأيديهم

وكان في تلك الساعة بعض جند الظالم نائمين في ذلك الخندق ... وقام أحدهم فقاد الدبابة ليحركها قليلا إلى الأمام ... فإذا بها تتراجع إلى الخلف ... وتترنح على النائمين ...

فتساقطوا مابين قتيل ومصاب إصابات قاتلة .. لذا عم الصياح والهياج ... وتراكض الجميع ... ذاهلين عن هؤلاء ( الموقوفين) ..!!!

تلفت صاحبنا يمنة ويسرة ... وهتف في نفسه هاتف ... : هي فرصة ... والفرص لا تتكرر ...

لوح لجماعته أن : هلموا .. اركبوا السيارة بسرعة ...!!!

... وبخفة قاد السيارة سيرا سريعا ... وقد أطفأ جميع أنوارها ... وفي مغامرة تقتضيها فطرة الحي في مقاومة أسباب الفناء ...

وكان قدر الله سابقا لهم بالسلامة ....

**** ***** ****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق