الاثنين، أكتوبر 04، 2010

بر البنات

( 8 )

شهادة أم ...

تقول محدثتي .. وهي سيدة كبيرة بلغت من العمر عتيا ..

رزقت والحمد لله بنين وبنات ... ورزقت بنتا - والحمد لله – أبر البنات بالأمهات ...

تحكي محدثتي وهي تكفف دميعات تدحرجت على وجنتيها ... وهي الصبورة فتقول :

كانت – رحمها الله – حنونة ، كريمة ، جوادة .. قوية في عزمها ، جريئة في قرارها ... وكانت عظيمة البر بي ... أحكي لك موقفا واحدا من برها بي ..

كانت - رحمها الله – في بيتي فترة نفاسها بوليدها الثاني .. ( وكانت في ذلك الوقت لاتزال صغيرة السن ) ...

دخل زوجها - رحمه الله – ليزورها في بيتي ، وليطمئن على صحتها في أوائل نفاسها وصحة المولود الصغير ..

تكمل محدثتي حديثها : غادرت الغرفة لبعض شأني .. وظل زوجها بعض الوقت ، ثم غادر بيتنا دون أن ألحظ ذلك ...

في تلك الأثناء أتت امرأة لها علــيّ ديــن .. وقد حل موعد سداد الدين .. فجاءتني تطالب بحقها ... ولم أكن أملك شيئا لأعطيها .. ، رجوت دائنتي

واستعطفتها أن تؤجله بعض الوقت .. لكنها أصرت على أخذ حقها ..

ثم رجوتها رجاءا آخر .. أن تخفض صوتها لئلا تسمع ابنتي النفساء

فيتكدر خاطرها .. !! وخاطر النفساء له اعتبار كبير ...

بعد قيل وقال .. وكلام وسجال انصرفت الدائنة – جزاها الله خيرا – على وعد مني أن أتدبر سداد الدين .. !! دارت بي الدنيا .. ورحت أقلب أفكاري : كيف لي أن أفي بوعدي وأسد ديني ..

عدت حيث ابنتي النفساء ووليدها والهم أطفأ لون وجهي ..

فإذ بها تفاجئني : .. من بالباب يا أمي ؟

حاولت أن أصرف انتباهها عن الموضوع .. لكنها - رحمها الله – أصرت : لقد كنت أسمع صوتا عاليا .. فمن كان بالباب ؟

كان إلحاحها الشديد ، وحرصها على معرفة الأمر وعزمها القوي .. كل ذلك .. مع عجزي الذي أوهنني ، وهمي بالدين الذي أكربني ... كل تلك الضغوط جعلتني أبوح لابنتي التي جهدت أن أنأى بها– خاصة في نفاسها – عن الهم والضيق .. وهكذا .. هزمت في هذا الموقف وتكشف سري على لساني ..

أتدرين ماذا حصل ؟؟

قالت ابنتي الشابة الفتية : إذن أنت مدينة !! والدائن يطرق بابك !!!

... أكملت محدثتي : طأطأت رأسي .. ولم يرعني إلا أن مدت ابنتي يمناها بلفافة ، وقالت : خذي هذا يا أمي ! سدي به بعض دينك ...

قلت لها : ما هذا يا نورة ؟!

قالت : هذا أعطانيه أبو العيال الآن في زيارته لي لأتدبر به أمر نفاسي* ..

قلت لها : يا بنيتي ! هذا لك .. و النفساء ، لها غذاؤها الخاص واحتياجاتها الخاصة ..

قالت لي محدثتي : لكنها - رحمها الله رحمات لاحد لها– أصرت بعزمها القوي.. قائلة : تحرم علي يا أمي لقمة منه إن لم أوف بها دينك !! ووالله لا أسترجع منها شيئا إلا ما فاض منها بعد سداد دينك !!

قالت محدثتي - رحمها الله – : أخذت اللفافة على استحياء من كف ابنتي المعطاء ، وألزمتني الحاجة ، وثقل الدين أوهن مقاومتي .. وعزم ابنتي غلبني !!!

قالت محدثتي - رحمها الله - : فتحت اللفافة ! فإذ بها أربعون ( روبية ) هي كل ما علي من دين !!

أسرعت بها لدائنتي .. سددت بها ديني ... ودعوتي التي لازمتني منذ ذلك اليوم : ( رب فك رقبة بنيتي كما فكت عني ديني ...

رب اعتق رقبتها من النار ... كما أعتقتني من ذل وهمّ الدين ...

..... اللهم آمين )

_____

· كانوا في تلك الأيام لحالهم البسيطة لا يرضى الزوج لزوجته أن تثقل على أهلها في نفاسها .. فيعطيها بعض المال لتتدبر أحوالها خلال نفاسها ..

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق