الأربعاء، أكتوبر 13، 2010

الكبش المفدى

-8-

ســـــــفير الحــــرية

نهاية المطاف في هذه المواقف ... كان صبيحة التحرير ...

... ففي الرمق الأخير للاحتلال ... وفي ( حلكة النهار ) - الذي بدا كليل أسود أبى أن ينزع غلالته ... بعدما فجّر الحسد الظالم أحقاده ... وأشعل البعث العابث آبار النفط لهيبا أسودا -

... تحت جنح ذاك الظلام الدامس في ضميره وفيما بثه في الأجواء ... حصد المحتل الشباب حصدا ... رحل بعضهم إلى أقبية البصرة ... والبعض الآخر ينتظر دوره ...

وكان فوج من أفواج المعتقلين ... حشروا وراء قضبان حديدية في أحد المخافر ...

وأُحكم إغلاقه ... ولشدة تزاحمهم فيه كانوا يكادون لا يستطيعون حراكا ... وقد أمروهم بالاستعداد لترحيلهم إلى البصرة أكثر من مرة ...

لكن يتأخر دورهم ... ونتأمل ونستغرب ... أي استعداد يراد منهم ... وكل رأسمال أحدهم ... أثوابه التي يرتديها !!!

زبدة الموضوع ... في ليلة التحريـــر ... انطلقت صيحة في المخفر لم يتبينها المعتقلون : ( انســـــــــــــحاب !!! ) ...

لكنهم سمعوا هرجا ومرجا .... ثم أعقبه هدوء .... ثم سكون ...!!

لا يعرفون كنه تلك الصرخة المدوية ... ولا يعلمون سر ذاك الهرج و المرج !!! ولا يعلمون سبب هذا الصمت الفجائي المطبق !!!

صمت المعتقلون ... سكنوا ... كأنما على رؤوسهم الطير... حاولوا أن يتنصتوا إلى صوت ... لكن لا صوت ... لا حراك .....

صرخ أحد المعتقلين مفتعلا ضجة لعل أحد العسكر يجيب.... لكن لا حياة لمن ينادي ..! نادى ولا من مجيب...!!

حاولوا أن يفكوا أقفال سجنهم أو يكسروه ...... لكن هيهات

هيهات .... فالأمر بعيد عن منالهم .... وبلوغ الثريا أقرب لهم ...!!... والقفل سبيكة صماء .....!!!

ومع مرور الوقت ... سمعوا أصواتا في الخارج ... إنها أصوات يعرفونها ... أصوات أهالي الحي ...

صاح المعتقلون ... نادوا بأعلى أصواتهم ...لا أحد يجيب !!!

أصابهم شيء من الهستيريا ... وهم يصطرخون ... يستغيثون ... ينادون ... !!!

لا شيء يؤنسهم ... !!

ما الخبر ... ؟؟ أأصاب الأهل صمم !! ... ما لهم لا يسمعون ؟!

....

وفجأة ... !

دخل خروف المخفر ... يسير حرا متبخترا بخيلاء ... أمام جموع المعتقلين من ( بني البشر ) ... ! كأنما علم أن سيكون له شأن وأي شأن ... ودور وأي دور ... !!

تواصى المعتقلون بالهدوء ... نادوه ... أغروه بالدنو منهم – وهو الوديع –وبالفعل ... استجاب لهم .. و دنا منهم... وزاد اقترابا يمنّي نفسه بشيء يأكله من أياديهم !!

ولما أن دنا منهم ... أمسكه أحدهم من قرنيه بقوة ... فيما اجتهد الخروف بالمقاومة ... واطلاق الثغاء عاليا ... محاولا الهروب ... ربما خوفا من الذبح !!

... تصايح المعتقلون ببهجة ... : هيا ... هيا ... هذا سفيرنا إلى الحرية ...!

نزع أحدهم قطعة قديمة من الشريط الطبي اللاصق من على جرح في ذراعه ...

تناولها معتقل آخر ... وكتب عليها :

( النجدة ... أغيثونا ... نحن معتقلون في المخفر ... )

اختطفها ثالث ولصقها على أعلى هامة الخروف ...

لم يكتفوا بهذه ( البرقية ) العاجلة ... فلربما لا تكون واضحة ... ووسط صياح : لا تتركه لا تطلقه !!... نزع أحدهم غترته ( كوفيته ) ... وتعاونوا على ربطها حول رقبة الخروف ...

... أخيرا أطلقوا الخروف سفيرا لهم إلى الحرية ... ودعوه مداعبين : ... ( بكوفيتك هذه أصبحت سفيرا فوق العادة مفوضا ... ) ... فأطلق لساقيه العنان ينشد النجاة مما هو فيه ...

وفعلا .. أدى الخروف الوديع مهمته بنجاح تام ... فتسارع الناس لنجدة المعتقلين ...

... وحينها استنشق المعتقلون عبير الحرية ...

تبسم أحد المحرَّرين مداعبا : ... أين كبش الفداء لنقدم له شكرنا عرفانا بجميله ؟

أجابه الثاني محتجا : لا ... لا ... بل هو الكبش المفدى ... لا كبش الفداء !!!

**** ***** ****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق